- يوميات رمضان - 25 - للأديب : وليد.ع.العايش 25 رمضان /1439 هـ
- يوميات رمضان - 25 -
________
ليلة من ليالي شباط الطويلة ، المطر يصفع وجه الأرض بقسوة ، بينما الريح تلملم بقايا أوراق شاحبة لترمي بها في سراب اللانهاية ، كانت الساعة تتجاوز الثالثة وأكثر ، أزيز الرصاص يقتل صرير الريح ، يجتاز حبال المطر الآتي من سماء مصفرة الوجنات ، مدفأة سوداء توزع نيرانها على أطراف منزل ريفي صغير ، ضجيج بدأ يشارك المطر والريح والرصاص حفلتهم التنكرية ، لا عزاء للزوجة الشقراء ، فالمائدة يجب أن تكون جاهزة بعد قليل ، رائحة البيض المقلي تختلط بعبير الثرى ، الصحون الطائرة تحط رحالها على قطعة من القماش المهترئ ، دقائق تمر متثاقلة ، المائدة أمست بانتظار القادمين من سرائر دافئة ، تتجمهر العائلة حول المائدة ...
- هل نويت الصوم يا هادي ... قالها الأب الأربعيني وهو يبتسم ...
- نعم يا أبت سأصوم اليوم معكم ...
لم يتبق إلا غادة ابنة الخمس سنوات تغط في نوم عميق ...
- لا تكثروا الضجّة يا أولاد ، كي لا تستيقظَ غادة فتملأ الغرفة صراخاً ... قالت الأمُّ الشقراء الجميلة . نُكاتٌ تنتشرُ في أرجاء البيت ، الكلُّ ينتظرُ إطلالة فجرٍ جديد ، المطر مازال يُدوّنُ ألحانهُ ذات الأنفاس الأخيرة ، الريح والرصاص يتعانقان على ضفاف شاطئٍ مُتكسّر الأجنحة .
لم تكن ملامح الليل قد بدأت بالمغادرة ، رُبما أعجبهُ المكوثُ أكثر في هذا الصباح ...
- النهار قصيرٌ يامرأة ، ماذا ستحضرين لنا على مائدة الإفطار ...
الكلمات تمتزج بغمزةٍ للزوجة الشقراء ، أشاحتْ خجلاً ... لم تعتدْ على الغزل كثيراً ...
- إننا صائمون يارجل ...
- غمزةٌ بريئة ... ههههههه ... صمتوا جميعاً ...
الأبناءُ الثلاثة يداعبون نيران المدفأة ، الأبُ يهمُّ بمغادرة الغرفة ، رُبما أومأ لزوجته بشيء ما ، صوتُ الرصاص يتغلبُ على شموخ الريح ، بعض الخوف بدأ يسري في شرايين الأبناء ، وربما الأم أيضاً ، صوتٌ كما رعد جاحد, يأتي من السماء ، المائدة تتناثر كما حبات المطر ... ( هديةُ السماء لا تُرَدْ ) ... احمرارُ الغسق كان مختلفاً هذه اللحظة .
على غير عادتها ، استيقظتْ غادة مُبكراً ، صرخت على أمها ، جاوبَها صدى صوت الريح الذي كانَ حاضراً ...
- وحيدة أنت يا غادة ... ( قالت رصاصةُ الرحمة الأخيرة ) ...
________
وليد.ع.العايش
25 رمضان /1439 هـ
تعليقات
إرسال تعليق