(الحسن بعض صفاتها)الشاعر مدحت عبد العليم الجابوصي
(الحسن بعض صفاتها)
أرقيقةَ الأقوالِ ثابتةَ الخُطى.....ماذا فعلتِ بقلبِنا المعطاءِ
أجميلةَ العينينِ ياأختَ العَلَا.....جافيتُ فيكِ مضاجعي وهناءي
أكريمةَ الأصلينِ راجحةَ النهى.....قوَّضتِ من فرطِ الذكاءِ بناءي
ورديَّةَ الخدينِ فاتنةَ الفتى.....أمسيتُ بينَ تشوُّقٍ ورجاءِ
شهديَّةَ الشفتينِ كاملةَ الحِجَى.....لم يبق أيُّ تصبُّرٍ وعزاءِ
أكحيلةَ العينينِ رفقاً بالذي.....قد باتَ يحلُمُ بالرضا ولقاءِ
بدويَّةَ الأخلاقِ صادقةَ الهوى.....وعفيفةَ الحوباءِ دونَ جفاءِ
وطويلةَ الأذيالِ دونَ تبرُّجٍ.....وحيِّيةٌ محمودةُ الإغضاءِ
ليستْ كمنْ يُبدي العفافَ تصنُّعاً......لكنَّها الحوراءُ بينَ نساءِ
مدنيَّةَ الأوصافِ فيها أُنوثةٌ.....تُردي لبابَ معاشرَ الفطناءِ
وبوصفِها جاءَ القريضُ مطاوعاً.....عفْواً بدونِ تكلُّفٍ وشقاءِ
قد حرَّقتْ نفسَ الأديبِ فحركتْ.....قلمَ الهمامَ مُقدَّمَ الأُدباءِ
فمضى يقولُ الشعرَ دونَ توقُّفٍ.....حتى أتى بمليحةٍ حسناءِ
جابتْ رُبوعَ الأرضِ من كلماتِها......وتناقلتْها عقولُ ذي الأحياءِ
أصغتْ لها الدنيا بدونِ سآمةٍ.......وملالةٍ من سحرِها وبهاءِ
أقسمتُ أنَّ الحسنَ فيها مقسَّمٌ.....كالحسنِ في غصنٍ وفي أعضاءِ
حاكتْ لشمسِ الكونِ في وقتِ الضحى.....في رفعةٍ وتباعدٍ وضياءِ
أمسيتُ من فرطِ الجمالِ بتيهةٍ......وتحيُّرٍ وتوقُّدٍ ورجاءِ
جافيتُ أنواعَ المضاجعِ رغبةً......عن راحةٍ بأسرةٍ وهناءِ
ورضيتُ أنْ أرعى النجومَ مسامراً.....أُفْقَ السماءِ بليلةٍ ظلماءِ
قد حُبِّبتْ للنفسِ لحظةُ خلوةٍ.....لتغيبَ في حلمٍ كثيرَ صفاءِ
لم يبقَ عندي أُلفةٌ لمجالسٍ......مملوءةٍ بالخلقِ والأحياءِ
ما عادَ شيءٌ في الفؤادِ أقولُهُ......لمعاشرِ الجلساءِ والخلطاءِ
ولذاكَ أجلسُ واحداً في نشوةٍ......لتُعيدَ ذاكرتي جميلَ لقاءِ
ياأيها الرجلُ المليمُ قصيدتي......لوكنتَ تعلمُ وصفَها بجلاءِ
ماكنتَ يوماً للملامةِ معبراَ......لومُ العبادِ مطيَّةُ الإيذاءِ
فاربو بنفسكَ عن ملامةِ شاعرٍ.....ذي هِمَّةٍ وعزيمةٍ وبلاءِ
أو فاعرفنْ وصفَ الحبيبِ وغِنجِهِ.....ودلالهِ وسطوعهِ وعلاءِ
كالبدرِ ليلةَ تمِّهِ لمَّا دنا......وتكاملتْ أنوارُهُ بسماءِ
قد زانَ هذا الغصنَ ماءُ حياتِهِ.....فترعرعتْ في إثرِ هذا الماءِ
كالزهرِ في زمنِ الربيعِ ألا ترى.....زهرَ الربيعِ قد اكتسى بغطاءِ
ثوبٍ من الحسنِ المعانقِ كوننا.....فتبدَّلتْ سوءاتُ ذي الأشياءِ
لما أتى زمنُ الربيعِ على الدنا.....لم تبقَ مُورِقَةٌ بدونِ بهاءِ
وهي الربيعُ بعينهِ وصفاتِهِ....وقد اكتست من حسنهِ بكساءِ
أيلومُني الأحبابُ أجلَ قصيدةٍ.......سطَّرتُها من دونِ أيِّ عَنَاءِ
وأتتْ بدونِ تكلُّفٍ رقراقةً......في صوتِ بُلبُلِنا الفريدِ غناءِ
قالوا: لمَ لمْ تكتُبَنَّ قصيدةً......في وصفِنا ببراعةٍ وذكاءِ
قلتُ: الفؤادُ وما أرادَ وقد رأى.....فيها الجمالَ مُكَمَّلاً بكفاءِ
ولقد عمى عمَّنْ سواها فهل لكم.....لومي على وصفي وحسنِ ثناءي
قالوا: ألمْ يكُ بيننا وُدٌّ نما.....وأواصرُ القُربى وطيبُ لقاءِ
فأجبتُهم : إنَّ الفؤادَ إذا هوى.....أعمى الفتى عن أفضلِ الأشياءِ
أحببتُها والحبُّ في قلبي جرى.....مثلَ الدماءِ بهذهِ الأعضاءِ
ولها جمالٌ في الوجودِ مُتمَّمٌ.......ومقالُها دوماً لهُ إيحاءِ
لها منطقٌ عالٍ وحسنُ تَصرُّفٍ......وفعالُها أهلٌ لكلِّ ثناءِ
وعيونُها الكحلاءُ فيها ملاحةٌ......وكأنَّها عينٌ بدتْ لظباءِ
لها مبدأٌ عالٍ وحُسنُ تحشُّمٍ.......وخدودُها كورودِنا الحمراءِ
أمَّلتُها وسألْتُها فتعجَّبتْ......من سؤلِنا عن أهلِها الكرماءِ
ورجوتُ أنْ أحظى بأفضلِ حظوةٍ......ويكونَ منها سيِّدُ العلماءِ
ذي خصبةٌ إنْ كانَ منها شُجَيْرةٌ......ستظلِّلُ الدنيا طوالَ ثواءِ
ولصوتِها الصدَّاحِ أعظمُ موقعٍ......في قلبِ مُشتاقٍ إلى الحوراءِ
وكأنَّها في شدْوها وحدِيثِها......تحكي بلابلَ روضةٍ غنَّاءِ
عيناها إنْ نظرتْ وإنْ هيَ أطْرَقتْ.....كغزالةٍ مذعورةٍ بخلاءِ
وإذا استهلَّتْ في الحديثِ فثغرُها.....رطبٌ يفيضُ بأعذبِ الآلاءِ
والدرُّ من ذي الثغرِ حاكى لؤلؤاً......وبريقُهُ مُودٍ لُبابَ الراءي
سبحانَ من بسطَ الجمالَ وأودعا .....فيها الملاحةَ سابغَ الآلاء
قسماً بعذريِّ الهوى وبما وصلْ......حالُ الأديبِ إليهِ دونَ خفاءِ
وبمنطقِ الحسنِ الذي قد زانها.....وبلؤلؤِ الثغرِ العظيمِ صفاءِ
وليونةِالغصنِ النضيرِ ورقَّةِ الـ .....بسماتِ والأوصالِ والأعضاءِ
وسوادِ عينيكِ المخالطِ للبيا .....ضِ ونورِ وجهكِ كاشفِ الظلماءِ
ونعومةِ الكفَّينِ والخدَّينِ والـ .....شفتينِ والأوصافِ بالحسناءِ
إنْ حقَّقَ اللهُ المنى أو لم يصرْ.....منكِ الذي أمَّلتُ في الأحياءِ
لا أنسى ذِكركِ مابقيتُ على الدنا.....للهِ درُّ فتى العلا ووفاءِ
ولقد عفوتُ عن الكرامِ قرابتي ......إنْ كانَ منهم بعدُ ردِّ قضاءِ
ألا فاعلمي أنِّي اصطفيتُكِ طالباً.....مدَّ الودادِ على الملا وخلاءِ
وعهدتُ فيكِ رجاحةَ الأقوالِ والـ .....أفعالِ في قربٍ وفي إقصاءِ
إنْ صارَ منكم صارَ ما تحلو بهِ......هذي الحياةُ بدونِ أيِّ شقاءِ
أولم يصرْ يبقَ لكم منَّا إذنْ......حقُّ القرابةِ كاملَ الإبقاءِ
فأنا الأديبُ الألمعيُّ بذي الدنا.....والقولُ قولي والنسيمُ هواءيِ
والناسُ أحبابي لهم حقُّ الوفا......والضدُّ خصمي غارقٌ في الداءِ
والحقُّ قولي والزمانُ مُؤرخٌ.....قد أرَّخَ الأحداثَ دونَ خفاءِ
والصدقُ يجري في لساني ومقلتي......جري القطارِ على قضيبٍ ناءِ
ودِّي لكلِّ مُوفَّقٍ باغي الهدى......ما رامَ غيرَ الحقِ دونَ رياءِ
وتذوبُ أحشاءي أسىً لمَّا أرى.....ذا نفخةٍ كذَّابةٍ ومراءِ
أعذرهُ فالأحلامُ فيها تفاوتٌ.....هل يستوى طينُ الثرى بسماءِ
لو قُلتُ ألقمتُ الحسودَ مقالةً.....ألهتهُ عنِّي بنكبةٍ دهياءِ
لكنَّني أهبُ الجميلَ لأهلِهِ......وأردُّ كيدي عن بني الحمقاءِ
من قلَّ منهُ الخيرُ وقتَ رجاءهِ.......والشرُّ بادٍ منهُ في الأجواءِ
وإذا نأيتُ فلنْ يُولِّيَ وجهتي......ويعيبُني عبثاً بكلِّ هراءِ
لو صارَ سيفاً فانتهى لمرادِهِ .....لم يُدمِ إبهامي أخا الإقصاءِ
أو أمسى ناراً لم يُصبْ سوى نفسِهِ......هل تستوى الجوزاءُ بالبطحاءِ
من كانَ أكثرُ همِّهِ في مطعمٍ.....ومشاربٍ ومساكنٍ وكساءِ
لا تُرتَجى منهُ المكارمُ إنَّها.....حكرٌ على الأُدباءِ والحكماءِ
مدحت عبدالعليم عبدالقادر رسلان بوقمح الجابوصي
نشر الشاعر مدحت 8 منشورات حديثة في هذه المجموعة. تعرف عل
تعليقات
إرسال تعليق